الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاختيار لتعليل المختار ***
الصلاة في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى: {وصل عليهم} [التوبة: 103] أي ادع لهم، وقال عليه الصلاة والسلام: «وصلت عليهم الملائكة» ي دعت لكم، وقال الأعشى: وصلي على دنها وارتسم أي دعا. وفي الشرع عبارة عن أركان مخصوصة وأذكار معلومة بشرائط محصورة في أوقات مقدرة، وهي فريضة محكمة يكفر جاحدها ولا يسع تركها، ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. أما الكتاب فقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] أي فرضا موقتا. وأما السنة فقوله صلى الله عليه «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان». وعليه إجماع الأمة. وسبب وجوبها الوقت بدليل إضافتها إليه، وهي دلالة السببية، كحد الزنا، وكفارة اليمين، ويجب في جزء من الوقت مطلق للمكلف تعيينه بالأداء، إلا أنه إذا لم يصل حتى ضاق الوقت تعين ذلك الجزء للوجوب حتى لو أخرها عنه أثم، لأنه تعالى أمر بالصلاة في مطلق الوقت فلا يتقيد بجزء معين. قال: (وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني المعترض إلى طلوع الشمس) الفجر فجران: كاذب، وهو الذي يبدو طولا ثم تعقبه ظلمة، فلا يخرج به وقت العشاء، ولا يحرم الأكل على الصائم. وصادق، وهو البياض المعترض في الأفق، فيحرم به السحور، ويدخل به وقت الفجر. قال عليه الصلاة والسلام: «لا يغرنكم أذن بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير» وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت صلاة الفجر حين يطلع الفجر، وآخر وقتها حين تطلع الشمس» قال: (ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يبلغ الظل مثليه سوى فيء الزوال) ولا خلاف في أول الوقت، واختلفوا في آخره، فالمذكور قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: إذا صار الظل مثله، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة. وذكر في المنتقى رواية أسد عن أبي حنيفة أنه إذا صار ظل كل شيء مثله خرّ وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير مثليه فيكون بينهما وقت مهمل. لهما إمامة جبريل، وهو ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمني جبريل مرتين عند البيت، فصلى بي الظهر في اليوم الأول حين زالت الشمس، والعصر حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى بي في اليوم الثاني الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، والعصر حين صار ظل كل شيء مثليه، وقال: ما بين هذين الوقتين وقت لك ولأمتك» ولأبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام: «أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم». ولا إبراد قبل أن يصير ظل كل شيء مثليه لأن شدة الحر قبله خصوصا في الحجاز، وكذا آخر حديث الإمامة حجة له، لأن إمامته الظهر حين صار الظل مثله دليل أنه وقت الظهر لا وقت العصر وهو محل الخلاف، وإذا وقت التعارض في خروجه لا يخرج بالشك. (وإذا خرج وقت الظهر على الاختلاف دخل وقت العصر، وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس) لقوله عليه الصلاة والسلام: «من فاتته العصر حتى غابت الشمس فكأنما وتر أهله وماله». جعلها فائتة بالغروب فدل أنه آخر وقتها (وإذا غابت الشمس دخل وقت المغرب) لرواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول وقت المغرب حين تسقط الشمس». ولا خلاف فيه (وآخره ما لم يغب الشفق) لقوله عليه الصلاة والسلام: «وقت المغرب ما لم يغب الشفق». والشفق: البياض الذي يبقى بعد الحمرة. وقالا: هو الحمرة، وهو رواية أسد عن أبي حنيفة كذلك نقل عن الخليل، وعن ابن عمر كذلك، ولأبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام: «وآخر وقت المغرب إذا اسوّد الأفق» وعن ثعلب أنه البياض، وهو مذهب أبي بكر وعائشة ومعاذ. (وإذا خرج وقت المغرب دخل وقت العشاء) بلا خلاف (وآخره ما لم يطلع الفجر) لقوله عليه الصلاة والسلام: «وآخر وقت العشاء ما لم يطلع الفجر». (ووقت الوتر وقت العشاء) إلا أنه مأمور بتقديم العشاء. وقالا: أول وقت الوتر بعد العشاء، وآخره ما لم يطلع الفجر، وهذا الاختلاف بناء على اختلافهم في صفتها، فعنده هي واجبة، والوقت إذا جمع صلاتين واجبتين فهو وقتهما، وإن أمر بتقديم إحداهما كالوقتية والفائتة، وعندهما هي سنة فيدخل وقتها بالفراغ من الفرض كسائر السنن، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر، ألا وهي الوتر»
(ويستحب الإسفار بالفجر) لقوله عليه الصلاة والسلام: «أسفروا بالفجر». وفي رواية «نوروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» وقال الطحاوي: يبدأ بالتغليس، ويختم بالإسفار جمعا بين أحاديث التغليس والإسفار (والإبراد بالظهر في الصيف) لما روينا (وتقديمها في الشتاء) لحديث أنس». كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الشتاء بكّر بالظهر، وإذا كان الصيف أبرد بها» قال: (وتأخير العصر ما لم تتغير الشمس) لحديث رافع بن خديج». أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتأخير العصر» وروى خالد الحذاء عن أبي قلابة أنه قال: «ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كاجتماعهم على تأخير العصر، والتبكير بالمغرب، والتنوير بالفجر». والمعتبر تغير القرص لا الضوء الذي على الحيطان. قال: (وتعجيل المغرب) في الزمان كله لما تقدم، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم» قال: (وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل) قال عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء إلى ثلث الليل». فدل على أنه أفضل، وتأخيرها إلى نصف الليل مباح، وإلى ما بعده مكروه لأنه يقلل الجماعة من غير عذر. قال: (ويستحب في الوتر آخر الليل، فإن لم يثق بالانتباه أوتر أوله) لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل محضورة الملائكة». وذلك أفضل. قال: (ويستحب تأخير الفجر والظهر والمغرب، وتعجيل العصر والعشاء يوم الغيم) أما الفجر فلما روينا، وأما الظهر فلئلا يقع قبل الزوال، وأما المغرب فلئلا يقع قبل الغروب، وأما تعجيل العصر فلئلا يقع في الوقت المكروه، وأما العشاء فلئلا يؤدي إلى تقليل الجماعة لمجيء المطر والثلج.
(لا تجوز الصلاة، وسجدة التلاوة، وصلاة الجنازة عند طلوع الشمس وزوالها وغروبها) لحديث عقبة بن عامر الجهني قال: «ثلاثة أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند زوالها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب». والمراد بقوله أن نقبر: صلاة الجنازة. وعن عمرو بن عنبسة قال: قلت: يا رسول الله هل من الساعات ساعات أفضل من الأخرى؟ قال: «جوف الليل الأخير أفضل فإنها متقبلة حتى يطلع الفجر، ثم انته حتى تطلع الشمس، وما دامت كالحجفة فأمسك حتى تشرق، فإنها تطلع بين قرني الشيطان ويسجد لها الكفار، ثم صل فإنها مشهودة متقبلة حتى يقوم العمود على ظله ثم انته فإنها ساعة يسجر فيها الجحيم ثم صل إذا زالت إلى العصر ثم انته فإنها تغيب بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار» قال: (إلا عصر يومه عند الغروب) لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت كما بينا فقد أداها كما وجبت. قال عليه الصلاة والسلام: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها» وقال: (ولا يتنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب) لحديث أبي سعيد الخدري». أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذين الوقتين». ويجوز أن يصلي في هذين الوقتين الفوائت ويسجد للتلاوة ولا يصلي ركعتي الطواف، لأن النهي لمعنى في غيره، وهو شغل جميع الوقت بالفرض، إذ ثواب الفرض أعظم، فلا يظهر النهي في حق فرض مثله، وظهر في ركعتي الطواف لأنه دونه. قال: (ولا بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر، ولا قبل المغرب، ولا قبل صلاة العيد) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مع حرصه على الصلاة، وفي الثاني تأخير المغرب وهو مكروه (ولا إذا خرج الإمام يوم الجمعة) لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» قال: (ولا يجمع بين صلاتين في وقت واحد في حضر ولا سفر) لقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] أي مؤقتأ، وفي الجمع تغيير الوقت، ويجوز الجمع فعلا لا وقتا، وهو تأويل ما روي: «أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين». وتفسيره أنه يؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ويقدم العصر في أول وقتها. قال: (إلا بعرفة) بين الظهر والعصر (والمزدلفة) بين المغرب والعشاء، وسيأتيك في المناسك إن شاء الله تعالى.
وهو في اللغة: مطلق الإعلام، قال تعالى: {وأذان من الله ورسوله} [التوبة: 3]؛ وفي الشرع: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة، وهو سنة محكمة. قال أبو حنيفة في قوم صلوا في المصر بجماعة بغير أذان وإقامة: خالفوا السنة وأثموا، وقيل هو واجب لقول محمد: لو اجتمع أهل بلد على ترك الأذان لقاتلتهم، وذلك إنما يكون على الواجب، والجمع بين القولين أن السنة المؤكدة كالواجب في الإثم بتركها، وإنما يقاتل على تركه لأنه من خصائص الإسلام وشعائره. (وصفته معروفة) وهي: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. هكذا حكى عبد الله بن زيد بن عبد ربه أذان النازل من السماء، ووافقه عمر وجماعة من الصحابة، فقال له رسول الله صلى الله عليه «علمه بلالا فإنه أندى منك صوتا» وعلمه فكان يؤذن به. قال: (ولا ترجيع فيه) لأن الجماعة الذين رووا أذان النازل من السماء الذي هو أصل الأذان لم يرووا الترجيع، وأيضا فإنهم قالوا: ثم صبر هنيهة ثم قال مثل ذلك، وزاد فيه: قد قامت الصلاة مرتين، ولا ترجيع في الإقامة إجماعا، وما روي أنه عليه الصلاة والسلام لقن أبا محذورة الأذان وأمره بالترجيع فإنه كان تعليما، والتعليم غالبا يرجع فيه للحفظ فظنه من الأذان، والترجيع أن يخفض صوته بالشهادتين أولا، ثم يرفع بهما صوته. قال: (والإقامة مثله، ويزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين) لما روينا، ولما روي عن أبي محذورة أنه قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان خمس عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة». قال أئمة الحديث: أصح ما روي في ذلك حديث أبي محذورة قال: (وهما سنتان للصلوات الخمس والجمعة) لأنه عليه الصلاة والسلام واظب عليهما فيها، ولأن لها أوقاتا معلومة، وتؤدى فيالجماعات فتحتاج إلى الإعلام ولا كذلك غيرها. قال محمد: ومن صلى في بيته بغير أذان ولا إقامة جاز، وإن فعل فحسن. أما الجواز فروي عن ابن عمر ذلك. وعن ابن مسعود أنه كان يصلي في داره بغير أذان ولا إقامة ويقول: يجزينا أذان المقيمين حولنا وفعله أفضل لأنهما أذكار تتعلق بالصلاة كغيره من الأذكار. قال: (ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين) لما روي أن بلالا أتى باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمه بصلاة الفجر وهو راقد، فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، فقال صلى الله عليه «ما أحسن هذا، اجعله في أذانك». وتوارثته الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ولا تثويب في غير أذان الفجر لقول بلال: قال لي رسول الله صلى الله عليه «يا بلال ثوّب بالفجر ولا تثوّب في غيرها». ولأن الفجر وقت نوم وغفلة ولا كذلك غيرها. وعن أبي يوسف: لا بأس بذلك للأمراء، لأن عمر لما ولي الخلافة نصب من يعلمه بأوقات الصلوات؛ قيل: وكذلك القاضي والمفتي وكل من يشتغل بأمور المسلمين؛ وقيل: في زماننا يثوّب في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية، والتثويب: زيادة الإعلام بين الأذان والإقامة بما يتعارفه أهل كل بلدة.قال: (ويرتل الأذان ويحدر الإقامة) بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا (ويستقبل بهما القبلة) لحديث النازل من السماء فإنه استقبل بهما القبلة (ويجعل إصبعيه في أذنيه) بذلك أمر رسول الله بلالا وقال: «إنه أندى لصوتك». (ويحوّل وجهه يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح) وقدماه مكانهما هكذا نقل من فعل بلال، ولأنه خطاب للناس فيواجههم به، وما عدا ذلك تكبير وتهليل. قال: (ويجلس بين الأذان والإقامة إلا في المغرب) وقالا يجلس في المغرب جلسة خفيفة، لأن الفصل بينهما سنة في سائر الصلوات، إلا أنه يكتفي في المغرب بالجلسة الخفيفة تحرزا عن التأخير. ولأبي حنيفة أن المستحب المبادرة وفي الجلسة التأخير، والفصل يحصل بالسكوت بينهما مقدار ثلاث آيات، وهو رواية الحسن عنه، وكذلك يحصل باختلاف الموقف والنغمة. (ويكره التلحين في الأذان) لأنه بدعة (وإذا قال حيّ على الصلاة قام الإمام والجماعة) إجابة للدعاء (وإذا قال قد قامت الصلاة كبروا) تصديقا له، إذ هو أمين الشرع. وعن أبي يوسف: لا يكبروا حتى يفرغ ليدرك المؤذن تكبيرة الإحرام (وإذا كان الإمام غائبا أو هوالمؤذن لا يقومون حتى يحضر) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقوموا حتى تروني قمت مقامي»؛ ولأنه لا فائدة في القيام (ويؤذن للفائتة ويقيم) هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فاتته صلاة الصبح ليلة التعريس. قال: (ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها) لأنه شرع للإعلام بالوقت وفي ذلك تضليل، وإن أذّن أعاد. وقال أبو يوسف: لا يعيد في الفجر خاصة، لأن بلالا كان يؤذن بليل. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام لبلال: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا». وأذان بلال لم يكن للصلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن بلالا يؤذن بليل ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم، ويتسحر صائمكم». والكلام في الأذان للصلاة. قال: (ولا يتكلم في الأذان والإقامة) ولا يرد السلام لأنه يخل بالتعظيم وبغير النظم (ويؤذّن ويقيم على طهارة) لأنه ذكر، فتستحب فيه الطهارة كالقرآن، فإذا أذن على غير وضوء جاز لحصول المقصود ويكره، وقيل لا يكره، وقيل لا تكره الإقامة أيضا؛ والصحيح أنها تكره لئلا يفصل بين الإقامة والصلاة، وإذن أذّن وأقام على غير وضوء لا يعيد، ويستحب إعادة أذان الجنب والصبي الذي لا يعقل والمجنون والسكران والمرأة ليقع على الوجه المسنون، ولا تعاد الإقامة لأن تكرارها غيرشروع، ويكره الأذان قاعدا لأنه خلاف المتوارث، وكره أبو حنيفة أن يكون المؤذن فاجرا، أو يأخذ على الأذان أجرا، ويستحب أن يكون المؤذن صالحا تقيا عالما بالسنة وأوقات الصلوات، مواظبا على ذلك، والله أعلم.
(وهي ست فرائض: طهارة البدن من النجاستين، وطهارة الثوب، وطهارة المكان وستر العورة، واستقبال القبلة، والنية) أما طهارة البدن فلقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه». الحديث، وأنه يوجب الطهارة من النجاسة الحكمية، وقوله عليه الصلاة والسلام: «اغسلي عنك الدم وصلي». يوجب الطهارة عن النجاسة الحقيقية. وأما طهارة الثوب فلقوله تعالى: {وثيابك فطهر} [المدثر: 4]. وأما المكان فلقوله تعالى: {وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} [الحج: 26]. وأما ستر العورة فلقوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31]. قال أئمة التفسير: هو ما يواري العورة، والمستحب أن يصلي في ثلاثة أبواب: قميص وإزار وعمامة، ولو صلى في ثوب واحد يتوشح به جاز. قال عليه الصلاة والسلام: «أو كلكم يجد ثوبين». ؟ حين سئل عن الصلاة في ثوب واحد.
وقال أبو الدرداء: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحا به قد خالف بين طرفيه» ولا يجوز للمرأة إلا أن تستر بالثوب الواحد رأسها وجميع بدنها. ويكره أن يصلى في السراويل وحده لما روي «أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يصلي الرجل في ثوب ليس على عاتقه منه شيء» قال أبو حنيفة: الصلاة في السراويل يشبه فعل أهل الجفاء، وفي الثوب يتوشح به أبعد من الجفاء، وفي قميص ورداء عادة الناس. قال: (وعورة الرجل ما تحت سرته إلى تحت ركبته) لقوله عليه الصلاة والسلام: «عورة الرجل ما دون سرته حتى يجاوز ركبتيه». وقوله عليه الصلاة والسلام: «الركبة من العورة». ولأن الركبة ملتقى عظم الساق والفخذ، فقلنا بكونها عورة احتياطا. قال: (وكذلك الأمة) بل أولى (وبطنها وظهرها عورة) لأنه موضع مشتهى، فأشبه ما بين السرة والركبة، والمكاتبة والمدبرة وأم الولد كالأمة. قال: (وجميع بدن الحرة عورة) قال عليه الصلاة والسلام: «الحرة عورة مستورة» قال: (إلا وجهها وكفيها) لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [النور: 31]. قال ابن عباس: الكحل والخاتم. ومن ضرورة إبداء الزينة إبداء موضعها، فالكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، ولأنها تحتاج إلى كشف ذلك في المعاملات فكان فيه ضرورة (وفي القدم روايتان) الصحيح أنها ليست بعورة في الصلاة وعورة خارج الصلاة، ولو انكشف ذراعها جازت صلاتها، لأنها من الزينة الظاهرة وهو السوار، وتحتاج إلى كشفه في الخدمة كالطبخ والخبز، وستره أفضل. والعورة عورتان: غليظة وهي السوأتان، وخفيفة وهي ما سواهما، فالمانع من الغليظة ما تبدو زيادة على قدر الدرهم، وفي الخفيفة ربع العضو كما في النجاسات، والذكر عضو بانفراده، وكذلك الأنثيان. قال: (ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة صلى معها ولم يعد) لأن التكليف بقدر الوسع، فإن كان الطاهر ربع الثوب أو أكثر صلى فيه ولا يصلي عريانا، لأن الربع قائم مقام الكل شرعا على ما عرف، وإن كان دون الربع فكذلك عند محمد، لأنه ترك فرضا واحدا، والعريان يترك فروضا. وقالا يتخير، والصلاة فيه أفضل لأن كل واحد من الصلاة عريانا ومع النجاسة مانع عند الاختيار، إلا أنه صلى في الثوب النجس يستر عورته، وأنه واجب في الصلاة وخارجها فكان أولى. قال: (ومن لم يجد ثوبا صلى عريانا قاعدا موميا، وهو أفضل من القيام) لأنه ابتلي ببليتين فيختار أيهما شاء، إلا أن القعود أولى، لأن الإيماء خلف عن الأركان ولا خلف عن ستر العورة، وقد روي أن الصحابة صلوا كذلك. (و) أما استقبال القبلة فلقوله تعالى: {فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 150] فكل (من كان بحضرة الكعبة يتوجه إلى عينها، وإن كان نائيا عنها يتوجه إلى جهتها) لقيام الجهة عند العجز مقام عينها، لأن التكليف بقدر الطاقة. قال: (وإن كان خائفا يصلي إلى أي جهة قدر) لقوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115] ويستوي فيه الخوف من العدو والسبع، أو أن يكون على خشبة في البحر يخاف إن توجه إلى القبلة غرق لتحقق العجز بالعذر، والقبلة موضع الكعبة، والهواء من هناك إلى عنان السماء، ولا اعتبار بالبناء لأنه ينقل، ولا تجوز الصلاة إلى حجارته، ولو صلى على جبل أعلا من الكعب جاز، فدل أنه لا اعتبار بالبناء. قال: (وإن اشتبهت عليه القبلة وليس له من يسأل اجتهد وصلى، ولا يعيد وإن أخطأ) لما روي أن جماعة من الصحابة اشتبهت عليهم القبلة في ليلة مظلمة، فصلى كل واحد منهم إلى جهة وخط بين يديه خطا، فلما أصبحوا وجدوا الخطوط إلى غير القبلة، فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تمت صلاتكم» وفي رواية «لا إعادة عليكم» ولأن الواجب عليهم التوجه إلى جه التحري إذ التكليف بقدر الوسع. قال: (فإن علم بالخطأ وهو في الصلاة استدار وبنى) لما روي «أن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها». وهذا لأنه لما علم بالقبلة صار فرضه التوجه إليها فيستدير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحسن فعل أهل قباء ولم يأمرهم بالإعادة. قال: (وإن صلى بغير اجتهاد فأخطأ أعاد) وكذلك إن كان عنده من يسأله فلم يسأله، لأنه ترك واجب الاستدلال بالتحري والسؤال، فإن علم أنه أصاب فلا إعادة عليه لوجودالتوجه إلى القبلة، ولو شرع لا بالتحري ثم علم في الصلاة أنه أصاب يستأنف التحريمة. وقال أبو يوسف: يمضي فيها، لأنه لو قطعها يستأنف إلى هذه الجهة فلا فائدة فيه. ولهما إن حاله بعد العلم أقوى لتيقنه بجهة القبلة، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، ولهذا قلنا المومي إذا قدر على الركوع والسجود لا يبني، لأنه بناء القوي على الضعيف كذا هنا، ومن أداه اجتهاده إلى جهة فصلى إلى غيرها فسدت وإن علم أنه أصاب القبلة. وقال أبو يوسف: هي جائزة لحصول المقصود وهو إصابة القبلة. ولهما أنه ترك فرضا لزمه عند الافتتاح وهو الصلاة إلى جهة التحري، فصار كما إذا ترك النية ونحوها. وأما النية فلقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنية». ولأنه لا إخلاص إلا بالنية، وقد أمرنا بالإخلاص. قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5]. قال: (وينوي الصلاة التي يدخل فيها نية متصلة بالتحريمة، وهي أن يعلم بقلبه أي صلاة هي، ولا معتبر باللسان) لأن النية عمل القلب. قال محمد بن الحسن: النية بالقلب فرض، وذكرها باللسان سنة، والجمع بينهما أفضل؛ والأحوط أن ينوي مقارنا للشروع: أي مخالطا للتكبير كما قاله الطحاوي. وعن محمد فيمن خرج من منزله يريد الفرض في جماعة، فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية يجوز لأنه باق على نيته بالإقبال على تحقيق ما نوى، ثم إن كان يريد التطوع يكفيه نية أصل الصلاة، وفي القضاء يعين الفرض، وفي الوقتية ينوي فرض الوقت أو ظهر الوقت (وإن كان مأموما ينوي فرض الوقت والمتابعة) أو ينوي الشروع في صلاة الإمام، أو ينوي الاقتداء بالإمام في صلاته.
قال: (وينبغي للمصلي أن يخشع في صلاته) لقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون: 2] «وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى كان لجوفه أزيز كأزيز المرجل».(ويكون نظره إلى موضع سجوده) لما روي: «أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يجاوز بصره في صلاته موضع سجوده تخشعا لله تعالى». وهو أقرب إلىالتعظيم من إرسال الطرف يمينا وشمالا. قال: (ومن أراد الدخول في الصلاة كبر) لقوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 15] وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه».ويستقبل القبلة ويقول: الله أكبر، وإن افتتح بلفظ آخر يشتمل على الثناء والتعظيم كالتهليل والتسبيح أو باسم آخر كقوله الرحمن أكبر أجزأه. وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا بلفظ التكبير وهو قوله: الله أكبر، الله أكبر، الله الكبير، الله الكبير، إلا أن لا يحسنه، لأن المتوارث الله أكبر، وأفعل وفعيل سواء في صفاته تعالى. ولهما قوله تعالى: {وذكر اسم ربه فصلى} نزلت في تكبيرة الافتتاح فقد اعتبر مطلق الذكر، وتقييد الكتاب بخبر الواحد لا يجوز. ولو افتتح بقوله الله أو الرحمن جاز عند أبي حنيفة لوجود الذكر. وقال محمد: لا يجوز إلا أن يضم إليه الصفة كقوله أجل أو أعظم، ولو قال اللهمّ الأصح أنه يجوز ومعناه: يا ألله، والميم المشددة خلف على النداء؛ ولو قال اللهم اغفر لي لا يجوز لأنه ليس بتعظيم خالص، ولو افتتح الأخرس والأمي بالنية جاز، والأفضل أن يكبر المأموم مقارنا لتكبير الإمام وعندهما بعده، وفي السلام بعده بالاتفاق؛ والفرق لأبي حنيفة أن التكبير شروع في العبادة، فالمسارعة إليه أفضل، والسلام خروج منها، فالإبطاء أفضل، ويحذف التكبير وهو السنة، ولأن المد في أوله كفر لكونه استفهاما، وفي آخره لحن من حيث العربية. قال: (ويرفع يديه ليحاذي إبهاماه شحمتي أذنيه) لقوله صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر: «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك حذاء أذنيك». وهو أن يرفعهما منصوبتين حتى تكون الأصابع مع الكف نحو القبلة ولا يفرج بين الأصابع، وهكذا تكبيرة القنوت وصلاة العيدين (ولا يرفعهما في تكبيرة سواها) لقوله صلى الله عليه «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن».وذكر هذه الثلاثة، وأربعا في الحج نذكرها إن شاء الله تعالى. قال: (ثم يعتمد بيمينه على رسغ يساره تحت سرته) لقوله صلى الله عليه «ثلاث من أخلاق الأنبياء: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال تحت السرة». والمرأة تضع يدها على صدرها لأنه أستر لها ويقبض بكفه اليمنى رسغ اليسرى كما فرغ من التكبير فهو أبلغ في التعظيم، وهكذا في تكبيرة القنوت والجنازة لأنه قيام ممتد كالقراءة. وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله في الإرسال فيهما، وهو قول محمد وهو اختيارمشايخنا رحمهم الله، لأنها قومة لا قراءة فيها كما بين الركوع والسجود، وبين تكبيرات العيدين يرسلهما لأن الوضع لا يفيد لتتابع التكبيرات. قال: (ويقول: سبحانك اللهم إلى آخره) وزاد محمد وجل ثناؤك ولا يزيد عليه. وقال أبو يوسف: يجمع بينه وبين قوله - وجهت وجهي - إلى آخره، لأن الأخبار وردت بهما فيجمع بينهما. ولهما ما روى ابن مسعود وأنس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا كبر لافتتاح الصلاة قرأ سبحانك اللهم».إلى آخره، وهكذا روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وما روي من حديث التوجه كان في ابتداء الإسلام، فلما شرع التسبيح نسخ كما روي أنه كان يقول في الركوع: ركع لك ظهري، وفي السجود: سجد لك وجهي، فلما نزل {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74] - جعلوه في الركوع ونزل قوله تعالى {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] - فجعلوه في السجود ونسخ ما كانوا يقولونه قبله، فكذلك فيما نحن فيه توفيقا بين الحديثين. قال: (ويتعوذ) إن كان إماما أو منفردا لقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98] أي إذا أردت قراءة القرآن، وإن كان مأموما لا يتعوذ. وقال أبويوسف يتعوذ لأن التعوذ تبع للثناء وهو للصلاة عنده فإن التعوذ ورد به النص صيانة للعبادة عن الخلل الواقع فيها بسبب وسوسة الشيطان، والصلاة تشتمل على القراءة والأذكار والأفعال فكانت أولى. وعندهما الافتتاح القراءة بالنص ولا قراءة على المأموم، وعلى هذا إذا قام المسبوق للقضاء يتعوذ عندهما لحاجته إلى القراءة؛ وعنده لا لأنه تعوذ بعد الثناء. وفي صلاة العيد يتعوذ الإمام عنده قبل التكبير وعندهما بعده؛ ويخفى التعوذ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه». خمس يخفيهن الإمام: التعوذ، والتسمية، والتأمين، وربنا لك الحمد، والتشهد» قال: (ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها. قال: (ويخفيها) لحديث أنس قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين».وفي رواية: «كانوا يخفون بسم الله الرحمن الرحيم» وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: «أنه سمع ابنه يجهر بها فقال: يا بني إياك والحدث في الإسلام، صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وكانوا لا يجهرون بالتسمية، فإذا أردت القراءة فقل: الحمد لله رب العالمين». قال: (ثم إن كان إماما جهر بالقراءة في الفجر والأوليين من المغرب والعشاء وفي الجمعة والعيدين) هذا هو المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتوارث من لدن الصدر الأول إلى يومنا هذا. ويخفى في الظهر والعصر لقوله صلى الله عليه «صلاة النهار عجماء». ولأنه المأثور المتوارث (وإن كان منفردا إن شاء جهر) لأنه إمام نفسه (وإن شاء خافت) لأنه ليس عليه أن يسمع غيره، والجهر أفضل لقوله صلى الله عليه «من صلى وحده على هيئة الجماعة صلى خلفه صفوف من الملائكة» قال: (وإن كان مأموما لا يقرأ) لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204]. قال ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما وجماعة من المفسرين: نزلت في الصلاة خاصة حين كانوا يقرؤون خلفه عليه الصلاة والسلام. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا قرأ فأنصتوا» وقال صلى الله عليه وسلم: «ن كان مأموما فقراءة الإمام له قراءة» وروى الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا قراءة خلف لإمام». (وإذا قال الإمام: ولا الضالين، قال: آمين، ويقولها المأموم ويخفيها) قال صلى الله عليه وسلم: ». إذا قال الإمام ولا الضالين - فقولوا آمين، فإن الإمام يقولها» وروى وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم الإخفاء، ولما روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال: (فإذا أراد الركوع كبّر) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر عند كل خفض ورفع. قال: (وركع) لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين علمه الصلاة: «ثم اقرأ ما تيسر من القرآن ثم اركع». والركوع يتحقق بما ينطلق عليه الاسم، لأنه عبارة عن الانحناء، وقيل إن كان إلى حال القيام أقرب لا يجوز، وإن كان إلى حال الركوع أقرب جاز. قال: (ووضع يديه على ركبتيه، ويفرّج أصابعه) لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه: «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرّق بين أصابعك». ولأنه أمكن في أخذ الركبة (ويبسط ظهره) لأنه صلى الله عليه وسلم «كان إذا ركع لو وضع على ظهره قدح ماء لاستقر». (ولا يرفع رأسه ولا ينكسه) كما فعل صلى الله عليه وسلم، ولنهيه عن تدبيح كتدبيح الحمار (ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثا) لقوله صلى الله عليه «إذا ركع أحدكم وقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه». وذلك أدناه، وإن زاد فهو أفضل إلا أنه يكره للإمام التطويل لما فيه من تنفير الجماعة. (ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد) أو اللهم ربنا لك الحمد، وبهما ورد الأثر، ولا يجمع الإمام بينهما، وقالا يجمع، وهو رواية الحسن عنه لئلا يكون تاركا ما حض عليه غيره، وليس لنا ذكر يختص به المأموم. ولأبي حنيفة قوله صلى الله عليه «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، قولوا: ربنا لك الحمد». قسم الذكرين بينهما فينافي الشركة، ولأن الإمام لو أتى بالتحميد يتأخر عن قول المأموم فيصير الإمام تبعا ولا يجوز، والمنفرد يجمع بينهما في رواية الحسن، وفي رواية: يأتي بالتسميع لا غير، وفي رواية أبي يوسف: بالتحميد لا غير، وعليه أكثر المشايخ (ثم يكبر) كما تقدم (ويسجد على أنفه وجبهته) لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك، فإن اقتصر على الأنف جاز وقد أساء. وقالا: لا يجوز إلا من عذر، وإن اقتصر على الجبهة جاز بالإجماع ولا إساءة. والأصل فيه قوله صلى الله عليه «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الوجه، والكفين، والركبتين، والقدمين». ولهما قوله صلى الله عليه «مكن جبهتك وأنفك من الأرض». وله أن الأنف محل السجود، بدليل جواز السجود عليه عند العذر، ولو لم يكن محلا لما جاز كالخد والذقن، فإذا سجد على الأنف يكون ساجدا، فيخرج عن عهدة السجود في قوله تعالى: {واسجدوا} [الحج: 77] ولأن الجبهة والأنف عظم واحد، ثم السجود على أحد طرفيه يجوز فكذا الآخر. قال: (ويضع ركبتيه قبل يديه ويضع يديه حذاء أذنيه (هكذا نقل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويبدي ضبعيه، ويجافي بطنه عن فخذيه) لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجافي في سجوده حتى إن بهمة لو أرادت أن تمر لمرت». (ولا يفترش ذراعيه) لنهيه صلى الله عليه وسلم عن افتراش الثعلب (ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا) لأنه لما نزل قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] قال صلى الله عليه «اجعلوه في سجودكم» (ولو سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز) قال ابن عباس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته. وقال أيضا: إنه عليه الصلاة والسلام صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر الأرض وبردها؛ ولو سجد على السرير والعرزال جاز، ولو سجد على الحشيش والقطن إن وجد حجمه بجبهته كالطنفسة واللبد والحصير جاز (ثم يكبر) لما بينا (ويرفع رأسه ويجلس) والواجب من الرفع ما يتناوله الاسم، لأن الواجب الفصل بين السجدتين وأنه يتحقق بما ذكرنا؛ وقيل إن كان أقرب إلى القعود جاز وإلا فلا (فإذا جلس كبر وسجد) لقوله صلى الله عليه «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اجلس حتى تستوي جالسا». (ثم يكبر وينهض قائما) لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه قال: (ويفعل كذلك في الركعة الثانية) لقوله صلى الله عليه وسلم لرفاعة: «ثم افعل ذلك في كل ركعة» قال: (إلا الاستفتاح) لأن محله ابتداء الصلاة (والتعوذ) لأنه لابتداء القراءة ولم يشرعا إلا مرة واحدة، ثم تعديل الأركان ليس بفرض. وقال أبو يوسف فرض، وهو الطمأنينة في الركوع والسجود، وإتمام القيام من الركوع، والقعدة بين السجدتين. له قوله صلى الله عليه وسلم لأعرابي حين أخف صلاته: «أعد صلاتك فإنك لم تصل». ولهما أنه أتى بما ينطلق عليه اسم الركوع والسجود وهو انحناء الظهر ووضع الجبهة فدخل تحت قوله: -) اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] - والطمأنينة دوام عليه، والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام عليه، ولا تجوز الزيادة على الكتاب بخبر الواحد، وما رواه يقتضي الوجوب، وهي واجبة عندنا حتى يجب سجود السهو بتركها ساهيا؛ وقيل هي سنة قال: (فإذا رفع رأسه في الركعة الثانية من السجدة الثانية افترش رجله اليسرى فجلس عليها ونصب اليمنى، ووجه أصابعه نحو القبلة، ووضع يديه على فخذيه، وبسط أصابعه وتشهد) هكذا حكى وائل بن حجر وعائشة قعود رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد. (والتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) وهو تشهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، لما روي «أن حمادا أخذ بيد أبي حنيفة وعلمه التشهد، وقال: أخذ إبراهيم النخعي بيدي وعلمني، وأخذ علقمة بيد إبراهيم وعلمه، وأخذ عبد الله بن مسعود بيد علقمة وعلمه، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد عبد الله وعلمه التشهد، فقال: قل التحيات لله». إلى آخر ما ذكرنا، والأخذ به أولى من رواية غيره، لأن أخذه بيده وأمره يدل على زيادة التأكيد. واتفق أئمة الحديث أنه لم ينقل في التشهد أحسن من إسناد عبد الله بن مسعود، ولأن فيه زيادة واو العطف، وأنه يوجب تعدد الثناء لأن المعطوف غير المعطوف عليه. وتشهد ابن عباس رضي الله عنهما ثناء واحد بعضه صفة لبعض، وهذه القعدة سنة عند الطحاوي والكرخي؛ وقيل هي واجبة حتى يجب بتركها ساهيا سجود السهو، وقراءة التشهد فيها سنة؛ وقيل واجب وهو الأصح، لأن محمدا أوجب سجود السهو بتركه، ولا يجب الواجب إلا بترك الواجب. قال: (ولا يزيد على التشهد في القعدة الأولى) لما روت عائشة رضي الله عنها». أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد على التشهد في الركعتين». (ثم ينهض مكبرا) لأنه أتم الشفع الأول وبقي عليه الشفع الثاني فينتقل إليه (ويقرأ فيهما فاتحة الكتاب) وهي سنة به ورد الأثر، وإن شاء سبح لأنها ليست بواجبة. وروى الحسن عن أبي حنيفة أن القراءة في الأخريين واجبة، ولو تركها ساهيا يلزمه سجود السهو. وفي ظاهر الرواية لو سكت فيهما عامدا كان مسيئا، وإن كان ساهيا لا سهو عليه (ويجلس في آخر الصلاة) كما بينا في الأولى لما روينا (ويتشهد) كما قلنا (ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) وهو سنة لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود حين علمه التشهد: «إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك». علق التمام بأحد الأمرين فيتم عند وجود أحدهما، فدل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست بفرض، وهي واجبة عندنا خارج الصلاة عملا بالأمر الوارد بها في القرآن فلا يلزمنا العمل به في الصلاة. قال (ويدعو بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة) لقوله صلى الله عليه «ثم اختر من الدعاء أطيبه». والقعدة الأخيرة فرض والتشهد فيها واجب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي: ». إذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك». علق التمام بالقعدة دون التشهد، ومقدار الفرض في القعود مقدار التشهد. قال: (ثم يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك) لرواية ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم «كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن شماله حتى يرى بياض خده الأيسر». وينوي بالأولى من عن يمينه من الملائكة والناس، وبالأخرى كذلك لأنه خطاب الحاضرين، وينوي الإمام في الجهة التي هو فيها، وإن كان حذاءه ينويه فيهما، وقيل في اليمين، والمنفرد ينوي الحفظة لا غير. والخروج بلفظ السلام ليس بفرض لما روينا من حديث ابن مسعود وأنه ينافي الفرضية. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «تحليلها التسليم». يدل على الوجوب أو السنة، ونحن نقول به.
(الوتر واجب) لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى زادكم صلاة إلى صلاتكم الخمس ألا وهي الوتر فحافظوا عليها». والزيادة تكون من جنس المزيد عليه، وقضيته الفرضية إلا أنه ليس مقطوعا به فقلنا بالوجوب. وقال أبو يوسف ومحمد: هي سنة لقوله عليه الصلاة والسلام: «ثلاث كتبت عليّ ولم تكتب عليكم». وفي رواية». وهي لكم سنة: الوتر، والضحى، والأضحى». قلنا الكتابة هي الفرض. قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] أي فرضا موقتا، ويقال للفرائض المكتوبات، فكان نفي الكتابة نفي الفرضية، ونحن لا نقول بالفرضية بل بالوجوب. وأما قوله: «وهي لكم سنة». أي ثبت وجوبها بالسنة، لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بها والأمر للوجوب، وهي عندهما أعلى رتبة من جميع السنن حتى لا تجوز قاعدا مع القدرة على القيام، ولا على راحلته من غير عذر وتقضي ذكره في المحيط. قال: (وهي ثلاث ركعات كالمغرب لا يسلم بينهن) لما روى ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وعائشة وأم سلمة». أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن» قال: (ويقرأ في جميعها) والمستحب أن يقرا في الأولى بفاتحة الكتاب و{سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1]، وفي الثانية بالفاتحة و{قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1]، وفي الثالثة بها و{قل هو الله أحد} [الإخلاص:1]، هكذا نقل قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ولأنه لما اختلف في وجوبها وجبت القراءة في جميعها احتياطا. قال: (ويقنت في الثالثة قبل الركوع ويرفع يديه) لما روينا (ويكبر) لما مر (ثم يقنت) لما روى علي وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب». أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الثالثة قبل الركوع وليس فيه دعاء مؤقت». وعن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يقرأ: اللهم إنا نستعينك واللهم اهدنا».قالوا: ومعنى قول محمد ليس فيه دعاء مؤقت غير ذلك. ومن لا يحسن الدعاء يقول: اللهم اغفر لنا مرارا) ربنا آتنا في الدنيا حسنة} [البقرة: 201] الآية. واختار أبوالليث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وهو مروي عن النخعي، وكرهه بعضهم لعدم ورود السنة به. قال: (ولا قنوت في غيرها) لقول ابن مسعود: «ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح إلا شهرا لم يقنت قبله ولا بعده» وروت أم سلمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القنوت في صلاة الفجر» وما روى أنس». أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح». معارض بحديث ابن مسعود. وبما روى قتادة عن أنس أنه قال: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركه». فدل على أنه نسخ، فلو صلى الفجر خلف إمام يقنت يتابعه عند أبي يوسف لئلا يخالف إمامه. وعندهما لا يتابعه لأنه حكم منسوخ، وصار كالتكبيرة الخامسة في صلاة الجنازة، والمختار أنه يسكت قائما، ولو سها عن القنوت فركع ثم ذكر لا يعود، وعن أبي حنيفة أنه يعود إلى القنوت ثم يركع.
(القراءة فرض في ركعتين) لقوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20] ولا يفترض في غير الصلاة فتعين في الصلاة. وقال عليه الصلاة والسلام: «القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين». أي تنوب عنها كقولهم: لسان الوزير لسان الأمير (سنة في الأخريين، وإن سبح فيهما أجزأه) وقد بيناه. قال: (ومقدار الفرض آية في كل ركعة) وقالا: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة تعدلها، لأن القرآن اسم للمعجز ولا معجز دون ذلك. وله قوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر منه} [المزمل: 20] من غير تقييد، وما دون الآية خارج فبقي ما وراءه، ولا يفترض قراءة الفاتحة في الصلاة لإطلاق ما تلونا، وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب». إلى غيره من الأحاديث أخبار آحاد لا يجوز نسخ إطلاق الكتاب بها فيحمل على الوجوب دون الفرضية كما قلنا (والواجب الفاتحة والسورة أوثلاث آيات) لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك من غير ترك، ولذلك وجب سجود السهو بتركه ساهيا (والسنة أن يقرأ في الفجر والظهر طوال المفصل، وفي العصر والعشاء أوساطه، وفي المغرب قصاره) هكذا كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ولا يعرف إلا توقيفا؛ وقيل المستحب أن يقرأ في الفجر أربعين أو خمسين؛ وقيل من أربعين إلى ستين. وروى ابن زياد: من ستين إلى مائة بكل ذلك وردت الآثار؛ وقيل المائة للزهاد والستون في الجماعات المعهودة، والأربعون في مساجد الشوارع، وفي الظهر ثلاثون، وفي العصر والعشاء عشرون. والأصل أن الإمام يقرأ على وجه لا يؤدي إلى تقليل الجماعة، وإن كان منفردا فالأولى أن يقرأ في حالة الحضر الأكثر تحصيلا للثواب. (وفي حالة الضرورة والسفر يقرأ بقدر الحال) دفعا للحرج. والسنة أن يقرأ في كل ركعة سورة تامة مع الفاتحة، ويستحب أن لا يجمع بين ورتين في ركعة لأنه لم ينقل، وإن فعل لا بأس، وكذلك سورة في ركعتين قال: (ولا يتعين شيء من القرآن لشيء من الصلوات) لإطلاق النصوص (ويكره تعيينه) لما فيه من هجران الباقي إلا أن يكون أيسر عليه، أو تبركا بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه أن الكل سواء، ويطوّل الأولى من الفجر على الثانية إعانة للناس على الجماعات، ويكره في سائر الصلوات. وقال محمد: يستحب ذلك في جميع الصلوات، كذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلنا الركعتان استوتا في استحقاق القراءة فلا وجه إلى التفضيل بخلاف الصبح فإنه وقت نوم وغفلة، وما رواه محمول على التطويل من حيث الاستفتاح والتعوذ، ولا اعتبار في ذلك بما دون ثلاث آيات لعدم إمكان التحرز عنه.
(الجماعة سنة مؤكدة) قال عليه الصلاة والسلام: «الجماعة من سنن الهدى». وقال عليه الصلاة والسلام: «لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنطلق إلى قوم يتخلفونعن الجماعة فأحرّق عليهم بيوتهم». وهذا أمارة التأكيد، وقد واظب عليها صلى الله عليه وسلم فلا يسع تركها إلا لعذر، ولو تركها أهل مصر يؤمرون بها، فإن قبلوا وإلا يقاتلون عليها لأنها من شعائر الإسلام. قال: (وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة) إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة، ويجتنب الفواحش الظاهرة. وعن أبي يوسف أقرؤهم لقوله عليه الصلاة والسلام: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله».قلنا الحاجة إلى العلم أكثر فكان أولى وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتلقون القرآن بأحكامه فكان أقرؤهم أعلمهم (ثم أقرؤهم) للحديث (ثم أورعهم) لقوله عليه الصلاة والسلام: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» (ثم أسنهم) لقوله عليه الصلاة والسلام: «وإذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما سنا» (ثم أحسنهم خلقا، ثم أحسنهم وجها). والأصل أن من كان وصفه يحرض الناس على الاقتداء به ويدعوهم إلى الجماعة كان تقديمه أولى، لأن الجماعة كلما كثرت كان أفضل حتى قالوا يكره لمن يكثر التنحنح في القراءة أن يؤم، وكذلك من يقف في غير مواضع الوقف، ولا يقف في مواضعه لما فيه من تقليل الجماعة. قال (ولا يطول بهم الصلاة) على وجه يؤدي إلى التنفير، بل يخفف تخفيفا عن تمام لحديث معاذ فإنه كان يطول بهم القراءة في الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: «أفتان أنت يا معاذ صل بالقوم صلاة أضعفهم فإن فيهم الصغير والكبير وذا الحاجة» قال: (ويكره إمامة العبد والأعرابي والأعمى والفاسق وولد الزنا والمبتدع) لأن إمامتهم تقلل الجماعات، لسقوط منزلة العبد عند الناس، ولأن الغالب على الأعرابي الجهل. قال تعالى: {وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} [التوبة: 97] والفاسق لفسقه، والأعمى لا يجتنب النجاسات، وولد الزنا يستخف به عادة، وليس له من يعلمه فيغلب عليه الجهل (ولو تقدموا وصلوا جاز) قال عليه الصلاة والسلام: «صلوا خلف كل بر وفاجر». والكراهة في حقهم لما ذكر من النقائص، ولو عدمت بأن كان العربي أفضل من الحضري، والعبد من الحر،وولد الزنا من ولدة الرشدة، والأعمى من البصير فالحكم بالضد. وأما المبتدع فكان أبو حنيفة لا يرى الصلاة خلف المبتدع. قال أبو يوسف: أكره أن يكون إمام القوم صاحب بدعة أو هوى. وعن محمد: لا تجوز الصلاة خلف الرافضة والجهمية والقدرية. قال: (ولا تجوز إمامة النساء والصبيان للرجال) أما النساء فلقوله عليه الصلاة والسلام: «أخروهن من حيث أخرهن الله». وإنه نهى عن التقديم. وأما الصبي فلأن صلاته تقع نفلا فلا يجوز الاقتداء به؛ وقيل يجوز في التراويح لأنها ليست بفرض؛ والصحيح الأول لأن نفله أضعف من نفل البالغ فلا يبتني عليه. قال: (ومن صلى بواحد أقامه عن يمينه) لحديث ابن عباس قال: «وقفت عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بذؤابتي فأدارني إلى يمينه». فدل على أن اليمين أولى، وأن القيام عن يساره لا يفسد الصلاة، وأن الفعل اليسير لا يفسد الصلاة. قال: (فإن صلى باثنين أو أكثر تقدم عليهم) لحديث أنس قال: «أقامين رسول الله صلى الله عليه وسلم واليتيم وراءه، وأم سليم وراءنا». ولقوله عليه الصلاة والسلام: «الاثنان فما فوقهما جماعة». قال: (ويصف الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء) أما الرجال فلقوله عليه الصلاة والسلام: «ليلني أولو الأحلام منكم». وأما الصبيان فلحديث أنس، وأما الخناثى فلاحتمال كونهم إناثا، وأما تقديمهم على النساء فلاحتمال كونهم ذكورا. قال: (ولا تدخل المرأة في صلاة الرجل إلا أن ينويها الإمام) وقال زفر: تدخل بغير نية كالرجل. ولنا أنه يلحقه من جهتها ضرر على سبيل الاحتمال بأن تقف في جنبه فتفسد صلاته، فكان له أن يحترز عن ذلك بترك النية. قال: (وإذا قامت إلى جانب رجل في صلاة مشتركة فسدت صلاته) والقياس أن لا تفسد كما لا تفسد صلاتها. وجه قولنا إنه ترك فرض المقام لأنه مأمور بتأخيرها وهو المختص بالأمر دونها فتفسد صلاته، وإن قامت في الصف أفسدت صلاة من عن يمينه ويسارها وخلفها بحذائها، والثنتان تفسدان صلاة أربعة من عن يمين إحداهما ويسار الأخرىواثنين خلفهما، والثلاث يفسدن صلاة خمسة. وعن محمد: يفسدن صلاة ثلاثة ثلاثة إلى آخر الصفوف، وهو الصحيح المختار على قول أبي حنيفة، وكذا عن أبي يوسف في المرأتين، ولو كان النساء صفا تاما فسدت صلاة من خلفهن من الصفوف وشرط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة وأن تكون مطلقة، والاستواء في البقعة، وأن تكون من أهل الشهوة، ولا يكون بينهما حائل، وأدناه مثل مؤخرة الرجل. قال: (ويكره للنساء حضور الجماعات) لقوله عليه الصلاة والسلام: «بيوتهن خير لهن».ولما فيه من خوف الفتنة وهذا في الشواب بالإجماع. أما العجائز فيخرجن في الفجر والمغرب والعشاء. وقال يخرجن في الصلوات كلها لوقوع الأمن من الفتنة في حقهن. وله أن الفساق ينتشرون في الظهر والعصر وفي المغرب يشتغلون بالعشاء، وفي الفجر والعشاء يكونون نياما، ولكل ساقة لاقطة؛ والمختار في زماننا أن لا يجوز شيء من ذلك لفساد الزمان والتظاهر بالفواحش. قال: (وأن يصلين جماعة) لأنها لا تخلو عن نقص واجب أو مندوب، فإنه يكره لهن الأذان والإقامة وتقدم الإمام عليهن (فإن فعلن وقفت الإمام سطهن) هكذا روي عن عائشة، وهو محمول على الابتداء. قال: (ولا يقتدي الطاهر بصاحب عذر، ولا القارئ بالأمي، ولا المكتسي بالعريان، ولا من يركع ويسجد بالمومي، ولا المفترض بالمتنفل) وأصله أن صلاة المقتدي تنبني على صلاة الإمام صحة وفسادا لقوله عليه الصلاة والسلام: «الإمام ضامن» أي ضامن بصلاته صلاة المؤتم، وبناء الناقص على الكامل يجوز، والكامل على الناقص لا يجوز، لأن الضعيف لا يصلح أساسا للقوي، لأنه بقدر النقصان يكون بناء على المعدوم وإنه محال. إذا عرف هذا فنقول: حال الطاهر أقوى من حال صاحب العذر، وحال القارئ أقوى من حال الأمي، وحال المكتسي أقوى من حال العريان، وحال الذي يركع ويسجد أقوى من حال المومي، وحال المفترض أقوى من المتنفل، فلا تجوز صلاتهم خلفهم. قال: (ولا المفترض بمن يصلي فرضا آخر) لأن المقتدي مشارك للإمام فلا بد من الاتحاد، فإن أمّ أميّ قارئين وأميين فسدت صلاة الكل؛ وقالا: تجوز صلاة الإمام ومن بحاله لاستوائهم كما إذا انفردوا. ولأبي حنيفة أن الجميع قادرون على القراءة بتقديم القارئ، إذ قراءة الإمام قراءة لهم بالحديث، فقد تركوا القراءة مع القدرة عليها فتبطل صلاتهم، وعلى هذا العاجز عن الإتيان ببعض الحروف، قالوا: ينبغي أن لا يؤم غيره لما بينا ولما فيه من تقليل الجماعة؛ فلو صلى وحده إن كان لا يجد آيات تخلو عن تلك الحروف جاز بالإجماع، وإن وجد وقرأ بما فيه تلك الحروف قيل يجوز كالأخرس يصلي وحده، وقيل لا يجوز كالقارئ إذا صلى بغير قراءة، بخلاف الأخرس لأنه قد لا يجد إماما. قال: (ويجوز اقتداء المتوضئ بالمتيمم) وقال محمد: لا يجوز لأن التيمم طهارة ضرورية كطهارة صاحب العذر. ولنا ما روي «أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه، ثم أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالإعادة» وقد تقدم أن التيمم طهارة عند عدم الماء، فكان اقتداء طاهر بطاهر. قال: (والغاسل بالماسح) لأن الخف يمنع وصول الحديث إلى الرجل، وإنما يحل الحدث بالخف وقد ارتفع بالمسح. قال: (والقائم بالقاعد) خلافا لمحمد وهو القياس، لأن القائم أقوى حالا. ولنا أنه صلى الله عليه وسلم صلى آخر صلاة صلاها قاعدا والناس خلفه قيام، وبمثله يترك القياس. قال: (والمتنفل بالمفترض) لأنه أضعف حالا وبناء الأضعف على الأقوى جائز، ولأنه يحتاج إلى نية أصل الصلاة وهو مجرد بخلاف العكس، لأن المفترض يحتاج إلى نية أصل الصلاة وإلى نية الفرضية وإنه معدوم في المتنفل. قال: (ومن علم أن إمامه على غير طهارة أعاد) لما بينا أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام صحة وفسادا، ولهذا المعنى يلزم المأموم سهو الإمام، ويكتفي بقراءته لو أدركه في الركوع، وإذا كانت متعلقة بصلاته يفسد بفسادها. قال: (ويجوز أن يفتح على إمامه) لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا استطعمك الإمام فأطعمه». ولا ينبغي أن يفتح من ساعته لعل الإمام يتذكر، وينبغي للإمام أن لا يلجئه إلى الفتح، فإن كان قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة يركع. قال: (وإن فتح على غيره فسدت صلاته) لأنه تعليم وتعلم وهو القياس في إمامه إلا أنا تركناه بما روينا، وفيه إصلاح صلاته فافترقا. قال: (ومن حصر عن القراءة أصلا فقدم غيره جاز) وقالا: لا يجوز لأنه نادر فلا يقاس على مورد النص؛ وله أن الاستخلاف لعلةالعجز عن التمام وقد وجد، ولا نسلم أنه نادر؛ ولو قرأ ما تجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع. قال: (وإن قنت إمامه في الفجر سكت) وقد بيناه.
(يكره للمصلي أن يعبث بثوبه) لقوله صلى الله عليه «إن الله كره لكم العبث في الصلاة»، ولأنه يخل بالخشوع، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث في صلاته فقال: «أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه». (أو يفرقع أصابعه) لما ذكرنا ولنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك (أويتخصر) لأن فيه ترك الوضع المسنون، ولنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك وهو وضع اليد على الخاصرة (أو يعقص شعره) وهو أن يجمعه وسط رأسه أو يجعله ضفيرتين فيعقده في مؤخر رأسه كما يفعله النساء، لأنه نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص (أو يسدل ثوبه) لنهيه عليه الصلاة والسلام عن السدل وهو أن يجعله على رأسه، ثم يرسل أطرافه من جوانبه لأنه من صنيع أهل الكتاب (أو يقعي) لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: «نهاني خليلي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: عن أن أنقر نقر الديك، أو أقعي إقعاء الكلب، أو أفترش افتراش الثعلب» والإقعاء: أن يقعد على أليتيه وينصب فخذيه ويضم ركبتيه إلى صدره ويضع يديه على الأرض (أو يلتفت) لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الالتفات في الصلاة، وقال: «تلك خلسة يختلسها الشيطان من صلاتكم». (أو يتربع بغير عذر) لأنه يخل بالقعود المسنون، ولأنها جلسة الجبابرة حتى قالوا: يكره خارج الصلاة أيضا. (أو يقلب الحصى) لأنه عبث (إلا لضرورة) لقوله عليه الصلاة والسلام: «يا أبا ذر مرة أو ذر».(أو يرد السلام بلسانه) لأنه من كلام الناس (أو بيده) لأنه في معنى السلام (أويتمطى أو يتثاءب) لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التثاؤب في الصلاة، فإن غلبه كظم ما استطاع ووضعيده على فمه، بذلك أمر عليه الصلاة والسلام (أو يغمض عينيه) لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عنه (أو يعد التسبيح أو الآيات). وقال أبو يوسف: لا يكره وهو رواية عن محمد، وعنه مثل مذهب أبي حنيفة. لأبي يوسف أن السنة وردت بقراءة آيات معدودات في الصلاة ولا سبيل إليه إلا بالعد؛ وعنه أنه أجاز ذلك في النفل خاصة، لأنه سومح فيه ما لا يتسامح في الفرض؛ ولأبي حنيفة أن عده بيده يخل بالوضع المسنون فأشبه العبث؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: «كفوا أيديكم في الصلاة» وإن عده بقلبه يشغله عن الخشوع فأشبه التفكر في أمور الدنيا. وأما العدد المسنون فيمكنه أن يعده خارج الصلاة ويقرأ فيها، فلا حاجة إلى العدد في الصلاة. قال: (ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة) لقوله عليه الصلاة والسلام: «اقتلوهما ولو كنتم في الصلاة» قال: (وإن أكل أو شرب أو تكلم أو قرأ من المصحف فسدت صلاته) أما الأكل والشرب فلأنه عمل كثير ليس من الصلاة؛ وأما الكلام فلقوله صلى الله عليه «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس».وأما القراءة من المصحف، فمذهب أبي حنيفة؛ وعندهما لا تفسد لأن النظر في المصحف عبادة فلا يفسدها إلا أنه يكره لأنه تشبه بأهل الكتاب. وله إن كان يحمله فهو عمل كثير لأنه حمل وتقليب الأوراق، وإن كان على الأرض فإنه تعلم وإنه عمل كثير فيفسدها كما لو تعلم من غيره. قال: (وكذلك إذا أنّ أو تأوه أو بكى بصوت) لأنه من كلام الناس (إلا أن يكون من ذكر الجنة أو النار) لأنه من زيادة الخشوع.
(وإن سبقه الحدث توضأ وبنى) لقوله عليه الصلاة والسلام: «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم». ، فإن كان منفردا إن شاء عاد إلى مكانه، وإن شاء أتمها في منزله، والمقتدي والإمام يعودان إلا أن يكون الإمام قد أتم الصلاة فيتخيران». (والاستئناف أفضل) لخروجه عن الخلاف، ولئلا يفصل بين أفعال الصلاة بأفعال ليست منها؛ وقيل إن كان إماما أو مقتديا فالبناء أولى إحرازا لفضيلة الجماعة (وإن كان إماما استخلف) لقوله عليه الصلاة والسلام: «أيما إمام سبقه الحدث في الصلاة فلينصرف ولينظر رجلا لم يسبق بشيء فليقدمه ليصلي بالناس»، وإنما يجوز البناء إذا فعل ما لا بد منه كالمشي والاغتراف حتى لو استقى أو خرز دلوه، أو وصل إلى نهر فجاوزه إلى غيره فسدت صلاته. قال: (وإن جنّ أو نام فاحتلم أو أغمي عليه استقبل) لأن وجود هذه الأشياء نادر فلا يقاس على مورد الشرع، ولأن النص ورد في الوضوء، الغسل أكثر منه فلا يقاس عليه، وكذا يحتاج إلى كشف العورة وهو قاطع للصلاة، وكذا إذا نظر فأنزل. قال: (وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم) لأنه لم يبق عليه سوى السلام (وإن تعمد الحدث تمت صلاته) لأنه لم يبق عليه شيء من أركان الصلاة، وقد تعذر البناء لمكان التعمد، وإذا لم يبق عليه شيء من أركان الصلاة تمت صلاته وقد تقدم؛ ولو أصابته نجاسة من خارج أو شجّ رأسه لا يبني وقال أبو يوسف: يبني كما إذا سبقه الحدث. قلنا ههنا ينصرف مع قيام الوضوء، فلم يكن في معنى ما ورد به النص فبقي على أصل القياس.
(ويقضي الفائتة إذا ذكرها كما فاتت سفرا أو حضرا) لقوله عليه الصلاة والسلام: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره». وقوله كما فاتت لأن القضاء يحكي الأداء. قال: (يقدمها على الوقتية إلا أن يخاف فوتها، ويرتب الفوائت في القضاء) والأصل أن الترتيب شرط بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت، لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام ثم ليصل التي نسي، ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام». فلو لم يكن الترتيب شرطا لما أمره بالإعادة؛ وما روي أنه عليه الصلاة والسلام فاتته أربعة صلوات يوم الخندق فقضاهن على الترتيب وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» قال: (ويسقط الترتيب بالنسيان، وخوف فوت الوقتية، وأن تزيد على خمس) أما النسيان فلقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». الحديث وما تقدم من الحديث، ووجهه أن وقت الفائتة وقت التذكر، فإذا لم يذكرها فهما صلاتان لم يجمعها وقت واحد فلا يجب الترتيب؛ وأما خوف فوت الوقتية فلأن الحكمة لا تقتضي إضاعة الموجود في طلب المفقود، ولأن وجود الوقتية ثبت بالكتاب والترتيب ثبت بخبر الواحد، فإن اتسع الوقت عمل بها وإن ضاق فالعمل بالكتاب أولى؛ وأما كثرة الفوائت فحده دخول وقت السابعة، لأن الكثرة بالتكرار، والتكرار بوجوب السادسة، ووجوبها آخر الوقت، وإنما يتحقق التكرار بدخول وقت السابعة. وهذا معنى قولنا أن تزيد على خمس، لأنه متى زادت الفوائت على خمس تكون ستا، ومتى صارت ستا دخل وقت السابعة. وقال محمد: إذا دخل وقت السادسة سقط الترتيب، لأن الجنس كثير، وجنس الصلاة خمس، وهذا في الفوائت الحديثة؛ أما القديمة فالصحيح أنها لا تضم إليها لما فيه من الحرج، وقيل تضم عقوبة له. (وإذا سقط الترتيب) بالكثرة هل يعود إذا قلت؟ المختار أنه (لا يعود) لأنه لما سقط باعتبارها فلأن يسقط في نفسها أولى. وصورته لو فاتته صلاة شهر فقضى ثلاثين فجرا ثم ثلاثين ظهرا وهكذا صح الجميع، ولا يعود الترتيب لأن الساقط لا يحتمل العود؛ وكذا لو قضى جميع الشهر إلا صلاة يوم ثم صلى الوقتية وهو ذاكر لها جاز لما بينا، ولا تعد الوتر في الفوائت لأنها ليست من الفرائض، ولأنها لو عددناها كملت الست؛ ولا يدخل في حد التكرار وهو المأخوذ في الكثرة. (ويقضي الصلوات الخمس) لما روينا (والوتر) لم بينا من وجوبها، وقال عليه الصلاة والسلام: «من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره أو إذا استيقظ».وفي رواية: «من نام عن وتر فليصل إذا أصبح» فكل ذلك يدل على الوجوب. (وسنة الفجر إذا فاتت معها) لأنه عليه الصلاة والسلام قضاها معها ليلة التعريس. وعن محمد أنه يقضيها وإن فاتت وحدها، لأنه عليه الصلاة والسلام قضاها دون غيرها من السنن فدل على اختصاصها بذلك (والأربع قبل الظهر يقضيها بعدها) قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاها بعد الظهر، ولأن الوقت وقت الظهر وهي سنة الظهر، ثم عند أبي يوسف يقضيها قبل الركعتين لأنها شرعت قبلها؛ وعند محمد بعدها لأنها فاتت عن محلها، فلا يفوّت الثانية عن محلها أيضا، وهذا بخلاف سنة العصر، لأنها ليست مثلها في التأكيد، ولنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة بعد العصر.
عن أم حبيبة وعائشة وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وابن عمر رضي الله عنهم قالوا: (قال رسول الله صلى الله عليه «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة: ركعتين قبل الفجر، وأربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب،وركعتين بعد العشاء». فهذه مؤكدات لا ينبغي تركها، فقد قال عليه الصلاة والسلام في ركعتي الفجر: «صلوهما ولو أدركتكم الخيل». وقال: «هما خير من الدنيا وما فيها».روته عائشة حتى كره أن يصليهما قاعدا لغير عذر. وقال عليه الصلاة والسلام: «من ترك أربعا قبل الظهر لم تنله شفاعتي».(ويستحب أن يصلي بعد الظهر أربعا) قالت أم حبيبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار».(وقبل العصر أربعا) وعن أبي حنيفة ركعتين، ولك ذلك جاء عنه عليه الصلاة والسلام (وبعد المغرب ستا) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه «من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بشيء عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنة». وقد ورد في القيام بعد المغرب فضل كثير، وقيل هي ناشئة الليل وتسمى صلاة الأوابين؛ وروت عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة». (وقبل العشاء أربعا) وقيل ركعتين (وبعدها أربعا) وقيل ركعتين؛ وعن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي قبل العشاء أربعا، ثم يصلي بعدها أربعا ثم يضطجع. (ويصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا) هكذا روي عن ابن مسعود؛ وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من كان مصليا الجمعة فليصل قبلها أربعا وبعدها أربعا». وقيل بعدها ستا بتسليمتين مروي عن علي وهو مذهب أبي يوسف، وكل صلاة بعدها سنة يكره القعود بعدها، بل يشتغل بالسنة لئلا يفصل بين السنة والمكتوبة؛ وعن عائشة». أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقعد مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يقوم إلى السنة». ولا يتطوع مكان الفرض لقوله عليه الصلاة والسلام: «أيعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن يتقدم أو يتأخر بسبحته».وكذا يستحب للجماعة كسر الصفوف لئلا يظن الداخل أنهم في الفرض. قال: (ويلزم التطوع بالشروع مضيا وقضاء) لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] وقياسا على الصوم فيجب المضي ويجب القضاء لعدم الفصل، ولقوله عليه الصلاة والسلام للصائم: «أجب أخاك واقض يوما مكانه». وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة وحفصة وقد أفطرتا في صوم التطوع: «اقضيا يوما مكانه ولا تعودا». ويجوز قاعدا مع القدرة على القيام لقول عائشة: «كان عليه الصلاة والسلام يصلي قاعدا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ آيات ثم ركع وسجد ثم عاد إلى القعود». ولأن الصلاة خير موضوع فربما شق عليه القيام فجاز له ذلك إحرازا للخير، وهذا مما لا ينقل فيه خلاف. قال: (فإن افتتحه قائما ثم قعد لغير عذر جاز، ويكره) وقال: لا يجوز اعتبارا بالنذر. وله أن فوات القيام لا يبطل التطوع ابتداء فكذا بقاء، وهذا لأن القيام صفة زائدة فلا يلزم إلا بالتزامه صريحا كالتتابع في الصوم، ولهذا خالف النذر. قال: (وصلاة الليل ركعتان بتسليمة أو أربع أو ست أو ثمان) وكل ذلك نقل في تهجده عليه الصلاة والسلام (ويكره الزيادة على ذلك) لأنه لم ينقل، وقيل لا يكره كالثمان. قال: (وفي النهار ركعتان أو أربع، والأفضل فيهما الأربع) وقالا: الأفضل في الليل المثنى اعتبارا بالتراويح، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «صلاة الليل مثنى مثنى». وبين كل ركعتين فسلم؛ وله قول عائشة: «كان عليه الصلاة والسلام يصلي بعد العشاء أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم أربعا لا تسأل عن حسنهن وطولهن» وكان عليه الصلاة والسلام يواظب على صلاة الضحى أربعا بتسليمة، ولأنها أدوم تحريمة، فكان أشق فتكون أفضل. قال عليه الصلاة والسلام: «أفضل الأعمال أحمزها». أي أشقها. أما التراويح فتؤدى بجماعة فكان مبناها على التخفيف دفعا للحرج عنهم. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «مثنى مثنى». معناه والله أعلم: أنه يتشهد على كل ركعتين، فسماه مثنى لوقوع الفصل بين كل ركعتين بتشهد، ويؤيده ما روي: «أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي أربعا قبل العصر يفصل بينهن بالسلام على الملائكة المقربين ومن تابعهم من المسلمين والمؤمنين» قال الترمذي. معناه الفصل بينهما بالتشهد (ولا يزيد في النهار على أربع بتسليمة) لأنه لم ينقل. قال: (وطول القيام أفضل من كثرة السجود) لما روى جابر قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت». لأنه أشق ولأن فيه قراءة القرآن، وهو أفضل من التسبيح. قال: (والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل) لأن كل شفع صلاة، فإنه لا يجب بالتحريمة سوى شفع واحد، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة حتى قالوا يستحب الاستفتاح في الثالثة. ويجوز للراكب أن يتنفل على دابته إلى أي جهة توجهت يومئ إيماء إذا كان خارج المصر. قال ابن عمر: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء» وعن أبي حنيفة أنه ينزل لركعتي الفجر لأنهما آكد من غيرهما. وعن أبي يوسف أنه يجوز في المصر أيضا. وعن محمد أنه يكره. وقال أبو حنيفة: لا يجوز لأن النص ورد خارج المصر، لأن الحاجة إلى الركوب فيه أغلب، فلا يقاس عليه المصر.
(التراويح سنة مؤكدة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقامها في بعض الليالي، وبيّن العذر في ترك المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا؛ وواظب عليها الخلفاء الراشدون وجميع المسلمين من زمن عمر بن الخطاب إلى يومنا هذا. قال عليه الصلاة والسلام: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر؟ فقال: التراويح سنة مؤكدة ولم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سن عمر هذا وجمع الناس على أبيّ بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون: منهم عثمان وعلي وابن مسعود والعباس وابنه طلحة والزبير ومعاذ وأبيّ وغيرهم من المهاجرين والأنصار، وما رد عليه واحد منهم، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك. والسنة إقامتها بجماعة لكن على الكفاية، فلو تركها أهل مسجد أساؤوا، وإن تخلف عن الجماعة أفراد وصلوا في منازلهم لم يكونوا مسيئين. قال: (وينبغي أن يجتمع الناس في كل ليلة من شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات بتسليمتين، يجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة، وكذا بعد الخامسة ثم يوتر بهم) هكذا صلى أبيّ بالصحابة، وهو عادة أهل الحرمين ولا يصلي الوتر بجماعة إلا في شهر رمضان) وعليه الإجماع. قال أبو يوسف: إذا قنت في الوتر لا يجهر، ويقنت المقتدي أيضا لأنه دعاء، والأفضل فيه الإخفاء. وقال محمد: يجهر الإمام ويؤمن المأموم، ولا يقرأ لشبهه بالقرآن، واختلاف الصحابة هل هو منه أم لا؟ والمنفرد إن شاء جهر، وإن شاء خفت، والمسبوق في الوتر إذا قنت مع الإمام لا يقنت ثانيا فيما يقضي لأنه مأمور به مع الإمام متابعة له فصار موضعا له، فلو قنت ثانيا يكون تكرارا له في غير موضعه وهو غير مشروع، ولا يزيد الإمام في التراويح على التشهد، وإن علم أنه لا يقل على الجماعة يزيد، ويأتي بالدعاء ويأتي بالثناء عقيب تكبيرة الافتتاح، ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر هو الصحيح حتى لو صلاها قبل العشاء لا يجوز، وبعد الوتر يجوز لأنها تبع للعشاء دون الوتر؛ والأفضل استيعاب أكثر الليل بها لأنها قيام الليل، وينوي التراويح أو سنة الليل أو قيام رمضان. (ويكره قاعدا مع القدرة على القيام) لزيادة تأكدها (والسنة ختم القرآن في التراويح مرة واحدة)، وعن أبي حنيفة يقرأ في كل ركعة عشر آيات ليقع له الختم، والأفضل في زماننا مقدار ما لا يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة، والأفضل تعديل القراءة بين التسليمات، وكذا بين الركعتين في التسليمة (والأفضل في السنن المنزل) لقوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة» قال: (إلا التراويح». لأنها شرعت في جماعة، وقد بيناه.
(صلاة كسوف الشمس ركعتان كهيئة النافلة) لما روى جماعة من الصحابة: منهم ابن مسعود وابن عمر وسمرة والأشعري «أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى في كسوف الشمس ركعتين كهيئة صلاتنا ولم يجهر فيهما».واعتبارا لها بغيرها من الصلوات. وقال عليه الصلاة والسلام لما كسفت الشمس». إذا رأيتم شيئا من هذه الأشياء فافزعوا إلى الصلاة». فينصرف إلى الصلاة المعهودة وهي ما ذكرنا. قال: (ويصلي بهم إمام الجمعة) لأنه اجتماع فيشترط نائب الإمام تحرزا عن الفتنة كالجمعة (ولا يجهر) لما تقدم (ولا يخطب) لأنها لم تنقل، ويطول بهم القراءة، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قام في الأولى بقدر البقرة، وفي الثانية بقدر آل عمران (فإن لم يكن صلى الناس فرادى ركعتين أو أربعا) لأنها نافلة، والأصل فيها الفرادى، وتحرزا عن الفتنة (ويدعون بعدها حتى تنجلي الشمس) هكذا فعله صلى الله عليه وسلم. وقال: «إذا رأيتم شيئا من هذه الأفزاع فارغبوا إلى الله بالدعاء والذكر والاستغفار». (وفي خسوف القمر يصلي كل وحده) لأنه يكون ليلا فيتعذر الاجتماع (وكذا في الظلمة والريح وخوف العدو) لما روينا.
(لا صلاة في الاستسقاء، لكن الدعاء والاستغفار، وإن صلوا فرادى فحسن) قال تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا} [نوح: 10]. وقال تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم} [هود: 52] علق إرسال المطربالاستغفار، والحديث المشهور «أن أعرابيا دخل عليه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وقال: يا رسول الله هلكت الكراع والمواشي، وأجدبت الأرض فادع الله أن يسقينا، فرفع يديه ودعا». ، قال أنس: والسماء كأنها زجاجة ليس بها قذعة، فنشأت سحابة ومطرت، حتى إن الرجل القوي لتهمه نفسه حتى عاد إلى بيته، ومطرنا إلى الجمعة القابلة». ولأنه عليه الصلاة والسلام «صلاها مرة وتركها أخرى فلا تكون سنة» وعن عمر أنه استسقى بدعاء العباس، وقال: لقد استسقيت لكم بمجاديح السماء التي يستنزل بها الغيث. وقال أبو يوسف ومحمد: يصلي الإمام ركعتين بلا أذان ولا إقامة يجهر فيهما بالقراءة، ثم يخطب متنكبا قوسا أو معتمدا على سيفه. وروى ابن كاس عن محمد أنه يكبر كتكبير العيد، لما روى ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام صلى في الاستسقاء ركعتين كصلاة العيد. وقال أبو يوسف: لا يكبر، وهو المشهور لرواية عبد الله بن عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فصلى ركعتين قبل الخطبة لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح، وقياسا على الصلاة في سائر الأفزاع، ويستقبل القبلة بالدعاء لأنه سنة في الدعاء ويقلب رداءه، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قلب رداءه. وقال أبو حنيفة: لا يسن ذلك كغيره من الأدعية، وتقليب الرداء أن يجعل جانب الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، ثم يدعو قائما والناس قعود مستقبلون القبلة. قال محمد: أحب إليّ أن يخرج الناس إلىالاستسقاء ثلاثة أيام متتابعة. وروي أكثر من ذلك. قال: (ولا يخرج معهم أهل الذمة) لأن ابن عمر نهى عنه، ولأن اجتماع الكفار مظنة نزول اللعنة فلا يخرجون عند طلب الرحمة. قال تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [الرعد: 14].
|